بيان حول تصعيد العنف الاستعماري في فلسطين ومقاومته

نحن  مهنيّات و مهنيّي الصحّة النفسيّة  الفِلَسطينيّين، المُستهدفين وعائلاتُنا كسائر الفِلَسطينيّين في بلادِنا من المنظومة الاستعماريّة الاستيطانيةّ الصهيونيّة في جميع أنحاء فلسطين التاريخية، إنّنا و إذ نحيي صمودَ شعبنا ومقاومتَه النبيلة و الباسِلة جماعات و أفراداً من اجل  إحقاق حقّه بالبقاء والحرية و العدالة والكرامة، نعبّر عن بالغ قلقنا إزاء  الآثار المدمّرة للعنف الاستعماريّ المتواصل على السّلامة الجسديّة و النفسيّة لأبناء مجتمعِنا

يواجه شعبُنا الفلسطينيّ  في الوطن في هذه الأيام تصعيداً همجياً  جديداً  للنكبة المستمرّة و الحرب الاستعماريّة و التي تشنّها دولة الاحتلال عليه منذ اكثر من سبعين عاماً. مُدَجّجةً بترسانةٍ عسكريّة فتّاكة لا تتوانى عن استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، و بترسانةٍ أيديولوجيّة عنصريّة قِوامُها نظامُ فصلٍ عنصريٍّ و تطهيرٍ عرقيّ  لأهل البلاد الأصلانيين، تستعر  الحكومة الاسرائيليّة في قتل الفلسطينيين و  اغتيال إنسانيّتهم و مظاهر سيادتهم على  بلادِهم و أرض أجدادِهم.  نتج عن الهجمات الاسرائيليّة الوحشيّة على غزّة  المحاصَرة منذ 15 عاماً الاف الاصابات منهم الاطفال والنساء. هجمات استهدفت الفلسطيني كفرد وكمجتمع، استهدفت البشر و الحجر،   و  دمّرت المساكن و المشافي و ملاعب الأطفال و المنشآت الحيويّة و الحضاريّة  و الجماليّة في البقعة الاكثر اكتظاظا في العالم، "أكبر سجن على وجه الأرض". وصلت حصيلة الحملة المستعرة الحالية لارتقاء  اكثر من مئة واربعين شهيد وشهيدة فلسطينيين منهم عشرات الاطفال والنساء  وابادة بيوت وافناء الحياة وتدمير الارض

في الاسبوع الاخير و ردّاً على سياسات التهجير القسريّ ومنع حريّة العِبادة للمسيحيين والمسلمين  على حدِّ سواء في القدس، جاء الحراك الشعبيّ الفلسطينيّ رافضاً لكل مظاهر العنصرية و  الاضطهاد المُمَنهج. و في الوقت الذي نادى فيه الفلسطينيّ بحقّه الراسخ و الشامخ بالحياة الحرّة و الكريمة على تراب وطنِهِ،  كان  المستعمِر-المستوطن يهتف "الموت للعرب"، مدعوماً من المؤسّسة الحاكمة و شرطتِها التي أطلقت العنان  لعصابات اليمين المتطرف الفاشية  لبثّ الرعب و ترويع المواطنين و تخريب و حرق الممتلكات و انتهاك حرمة البيوت. لم يقتصر الامر على المناطق المحتلة سنة 1967 بل امتد الى داخل مدن الساحل الفلسطينيّ  والقرى العربية في دولة الاستعمار، بما يذكرنا وبقوة، باعمال العصابات الصهيونية أبّان نكبة 1948. كما وان  ادخال فرق ( حرس الحدود  الاسرائيلي ) والتخطيط للاستعانة بالجيش الاسرائيلي في القرى والمدن، ما هو الا إعادة الفلسطينيّ للمربعات الاولى: مربع النكبة ومربع نظام الحكم العسكري ومنظومة المراقبة والملاحقة والاستلاب.

وما قد يبدو للوهلة الاولى كفوضى سياسية او كصراع مدني عفويّ تقوده فئات متطرفة هو في الحقيقة نتاج منظومة استعمارية صهيونية مخططة، تثابر  سياسياً و إعلاميّاً و شعبيّاً على تشييء الإنسان الفلسطينيّ، غير الامن حتى في بيته، وموقعته خارج إنسانيّته وحتى نزعها عنه، وتجريمه،  تمهيداً لإهدار دمِه،  و إفنائِه جسداً و  نفساً و روحاً. منظومة  تعمل على توكيد واعادة انتاج فكر الثنائيات المشطورة-  جدلية ومنطق المقدس مقابل المدنس فإما قاتل او مقتول.  يغذي فكر الاستعلاء العرقي والسيطرة على الذوات الفلسطينية وعلى الارض والحياة السياسات النكروبوليتية للاستعمار الاسرائيلي، ويظهر جلية في تصريحات شخصيات مركزية داخل مؤسسات دولة الاحتلال والتي نسبت صفات دونية للعربي لكونه عربيّاً، فأصبح التصريح بالتفوق العرقيّ نهجا علنيا حتى بالاعلام محليا ودوليا دون ايّ ارتداع.

يتمادى الاسرائيليّ  واعلامه في عنفِهِ الاستعماريّ محتكِراً دور الضحيّة دون التوقف ولو للحظة لقراءة رواية الفلسطيني، الطفل القتيل،  المستهدف جسديا ورمزيّاً من خلال تشويه ذاكرته التاريخيّة و تمزيق نسيجه الاجتماعيّ و بنيانه الثقافيّ و كينونته الإنسانية

نحن نؤكد ان استمرارية الصوت والفعل للشعب الفلسطيني شبانا وشيبا وسعيهم سويا  لنيل الحرية ليس حق فقط بل دليل ايضا على ثبوت و صمود وجلد نعززه كمهنيي صحة نفسيّة

من موقعنا المهنيّ و الإنسانيّ نناشدُ المجتمع المهنيّ  الذي ننتمي إليه و زملاءَنا في العالم و ندعوهم إلى  التمسّك بقراءة عميقة، غير  مشوّهة و غير مشطورة للواقع الاستعماريّ في فلسطين، و لتبني موقفٍ اخلاقيٍّ و عمليّ واضح يخرج من محدودية الدور الموثق او المحلل فقط بل ينحاز لقضية الشعب الفلسطينيّ الانسانية والعادلة، يرفض اللاانسنة واللاطفلنة والاستلاب.  و إلى الضّغط على مؤسساتهِم وحكوماتِهم لوقف العدوان الاسرائيلي الحاليّ  على شعبنا،  وتوفير الحماية له ومحاسبة دولة  الاحتلال والفصل العنصري ورموزِها. 

كمهنيين نتوجه الى العاملين في مجال الصحة النفسية في كل مكان، طالبين منهم ان يفصحوأ عن رأيهم بجلاء ضد عنف دولة اسرائيل، وتقنيات ارهابها، واستلابها، وفي الوقت ذاته اعادة تأكيد مسؤلياتهم لاخذ خطوات جدية والعمل ضد الوحشية الاستعمارية. نحن نحثكم للتنظم و العمل و التحدث والكتابة ضد المنظومة العقابية المُعرقَنة، وممارساتها التي تشكل قضية مقلقة اخلاقيا لمعالجين وباحثين نقديين في الصحة النفسية. ان ما يفوق السبعين عاما من التطهير العرقي للفلسطينيين على ارضهم لتهويدها،، اضافةً الى العنف اللا متناهي وانتهاك قدرة و حقّ الفلسطيني في الحياة الكريمة و التواصل مع اهله وارضه و الحركة و الانتماء، يحمل اثاراً وجدانية ونفسية جمة على الذات الفلسطينيّة  حاضراً ، و على البقاء الفلسطينيّ مستقبلاً

ان الوقوف كمتفرجين صامتين، في هذه اللحظة بالذات من نضال الفلسطينيين من اجل الحرية والبقاء، ليس خيارا للاخصائيين في الصحة النفسية. ان الصمت والتفرج  الحياديّ يساهم في تكريس ايديولوجيات وجرائم النظام الاستعماري الاستيطانيّ العنصريّ

فحين يعمل اخصائيّو الصحة النفسية ب" حيادية " او "كمهنة قائمة على السلطة" ومعتمدة عليها، فانهم بذلك ينتهكون قواعد الاخلاقيات المهنية التي تقوم عليها مهنتهم، ليصبحو ذراعاً لخدمة الدولة الاستعمارية وامتدادأً لقوتها

من اجل منع تحويل مهنتنا الى شريك مساند للمستعمر، ومحرك فعال في السلب، والقتل، والنهب، وتقطيع أواصر الشعب الاصلاني، ندعوكم الى تسمية عنف الدولة والاشارة اليه وبوضوح، والتحرك فورا للتدخل لوقف فظائعِه، واتخاذ موقف واضح من اجل الانهاء الفوري للاستعمار