يان "الشبكة الفلسطينيّة العالمية للصحة النفسية" يدين توحّش التدمير الاستعماري للحياة الفلسطينيّة

تدين "الشبكة الفلسطينيّة العالمية للصحة النفسية" بأشد لهجات الإدانة توحّش التدمير الاستعماري للحياة الفلسطينيّة قتلاً و عنفاً بنيوياُ ممنهجاً وهدماً للبيوت و تهجيراً عن الأرض.

يجد الإنسان الفلسطينيّ الأصلانيّ نفسه مطالباً، تحت تهديد السلاح العنصريّ القاتل، بالانسحاب من إنسانيته و من فلسطينيته نحو حياة ممنوعةٍ من التنفّس و الأمل و مدفوعةٍ إلى استجداء الحياة.

إلاّ أنّ الاستعمار في نسخته الاسرائيليّة، لم يستهدف يوماً الجسد الفلسطينيّ فحسب و إنّما وضع نصب أعينه المعتِمة و الحاقدة قتل الذات الفلسطينيّة على تعدّد أشكال تحدّياتها و معاناتها و حصانتها النفسيّة، في رسالة لا تختلف في جوهرها العنصريّ النازع للإنسانيّة الكاتم لأنفاسها و أصواتها عن تلك التي تصدر منذ قرون عن الجريمة المستمرّة في حقّ الأفارقة الأمريكيين، و التي لم يكن المشهد المروّع و المحطم للقلب في مينيابوليس سوى فصله الأحدث. ينضمّ جورج فلويد إلى إياد خيري الحلاّق و مصطفى يونس، الشابّين الفلسطينيين ذوي التحديات النفسيّة، و غيرهم من الضحايا أبناء عائلة المعذّبين في الأرض التي تئنّ و تقاوم و تموت تحت وطأة الظلم و العنصرية و الاستعمار.

بتاريخ 13-05-2020 أُعدم المريض النفسي مصطفى يونس وهو في مستشفى تل هشومير الذي توجه إليه للفحص النفسي. قُتل مصطفى على مرأى من والدته وأمام عشرات عناصر الشرطة والحرس حين كان ممدّدا على الأرض دون أن يشكل أي خطر يستلزم قتله. بتاريخ 30-05-2020 تم أيضًا إعدام الشاب الذي يعاني من التوحّد إياد الحلاق في القدس وهو في طريقه لمدرسته صباحا كالمعتاد. لم يفهم إياد صراخ الجنود، ذعر منهم فلاحقوه مئات الامتار ووجدوه مختبئا مرتجفا وأعزلا مفترشاً الأرض، فرموه 8 رصاصات من خلال رشاش م 16 دون أي تردد. أُعدم الشابان بدم بارد لانهما عربيان فلسطينيان، وقبلهم استشهد عشرات الفلسطينيين ذوي التحدّيات النفسيّة و الذهنيّة دون أن تشفع لهم بطاقة الاحتياجات الخاصة بشيء، الأمر الذي ينافي جميع اتفاقيات حقوق الانسان وحقوق ذوي الإعاقة التي تضمنها المواثيق الدولية.

تتشابه سياسة التصفيات – تصفية "الآخر الذي ليس منا"- في كل من إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، حيث قام هنالك شرطي بقتل المواطن الامريكي من أصول أفريقية جورج فلويد في 25-05-2020 وهو أعزل يستصرخ جموعا من عشرات "المشاهدين" أن يُسمح له بالتنفس. فلويد هو الآخر الـ "ليس أبيضا" في أمريكا، وفي بلادنا فلسطين الآخر هو كل من "ليس يهوديا"، وهذا ما يجعله هدفا مباحا للقتل المتعمّد.

في نظر المستعمِر الاسرائيليّ الجسد الفلسطينيّ مفرطٌ في وجوده و حركته و فائض عن الحاجة و عن استحقاق الحياة و الحرّية و الأرض التي ينتمي إليه بكلّ جوارحه.

لا يمكن فصل الصحّة الجسديّة و النفسيّة للفلسطينيّين عن واقعهم الاستعماريّ المتوحّش الذي يثابر في نهش لحمهم و روحهم و إنسانيّتهم، و يطلق النار، فعلاً و مجازاً، على حيويتهم كما على هشاشتهم النفسيّة، على صحّتهم كما على مرضهم، على قدراتهم كما على احتياجاتهم الخاصّة.

نحن، مهنيو الصحة النفسية في فلسطين، نرى أنّ يتحمّل مسئوليّة هذه الجرائم وراء هذه ليست الإصبع التي ضغطت على الزناد وإنما منظومة ثقافية عنصرية متكاملة قائمة على فكرة التفوق العرقي التي تحط من قيمة الانسان الفلسطيني وترى بمجرد وجوده في بلاده تهديدا لتسهيل "الثأر" منه وهدر دمه. في إسرائيل، يستفيض هذا الفكر الاستعماري العنصري فيدين الضحية ويمجّد المجرم الذي يتملّص من أية محاسبة قضائية أو أخلاقية .

نطالب المجتمع الدولي عموما، ومهنيي الصحة النفسية على وجه الخصوص، بالخروج علناً عن صمتهم وحيادهم تجاه سياسة الإعدامات هذه، و إدانة الفكر العنصري الذي يقف من وراءها مدجّجاً بكل الوسائل الإعلامية والقضائية والتربوية والفكرية المتاحة، والوقوف ضد الجرائم التي ترتكبها اسرائيل في فلسطين، وحماية المرضى النفسيين وذوي التحدّيات من الجرائم ضد الانسانية التي ترتكب بحقهم، في كل زمان ومكان.

لا بوصلة لمهنتنا العلاجية سوى الاحتفاء بكرامة الإنسان وكينونته و ذاتيته و الدفاع عن حقه في العيش حراً في عالم عادل و آمن، عالم يفضح الشرّ و يتصدّى له و يحمي الحياة الإنسانية، و حاصّة تلك التي تتألم و تناضل و تتحدّى قيود النفس و أعباءها و تتلمّس طريقها الفريد في العالم.